أشعة الراديو: مسرطن محتمل
إحدى وظائف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (International Agency for Research on Cancer – IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية هي تعيين وتصنيف مواد وعوامل مختلفة بالنسبة لإمكانية التسبب بالسرطان.
صنفت مجموعة عمل متعددة المجالات للوكالة الدولية لأبحاث السرطان، IARC، في سنة 2011 أشعة أمواج الراديو المنطلقة من الهواتف الخلوية بفئة B2: "مسرطن محتمل للإنسان".
في أعقاب استنتاجات مجموعة العمل قال الدكتور كريستوفر وايلد، مدير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، أنه يجب إجراء مزيد من الأبحاث تشمل مستخدمين للخلوي لمدة طويلة ويعتبرون "مستخدمين ثقيلين". حاليا، يجب اتخاذ وسائل عملية للتقليل من التعرض مثلا بواسطة استخدام "الديبوريت" أو رسائل قصيرة.
معنى التصنيف هو أنه حتى التوصل إلى إثباتات قاطعة بالنسبة لوجود أو عدم وجود علاقة بين أشعّة أمواج الراديو وبين خطر تطور سرطان، يجب الاستخدام الذكي للهواتف النقالة والتكنولوجيات الأخرى التي تُطلق أشعّة غير مؤيّنة.
منذ الأزل كان الإنسان معرضا لمصادر طبيعية من الأشعة غير المؤيّنة. ولكن مع تطور التكنولوجيا وخاصة مع تطور وسائل اتصال كثيرة من أواسط تسعينات القرن العشرين، زاد هذا التعرض ومصادره بصورة ملحوظة. بالمقابل، زادت الخشية بالنسبة للتأثير الممكن للأشعة غير المؤيّنة على صحة الإنسان. على ضوء ما ذُكر، يُجرى بحث شامل في محاولة اختبار سلامة استعمال الوسائل التكنولوجية المُطلقة للأشعة غير المؤيّنة.
ما هي المواد المسرطنة؟
ينجم السرطان عن تغييرات في المادة الوراثية (DNA) في الخلية. ينتقل قسم من هذه التغييرات بالوراثة من الوالدين بينما ينجم الباقي عن التعرض لعوامل خارجية (تدعى أيضا عوامل بيئية). المواد وأنواع التعرض التي قد تسبب السرطان تسمى عوامل مسرطنة (carcinogen).
العوامل البيئية التي قد تؤثر على نشوء السرطان وأمراض أخرى تشمل مثلا:
- عوامل تتعلق بنمط الحياة [تغذية، تدخين وما شابه].
- عوامل طبيعية [فيزيائية مثل الضوء فوق البنفسجي من الشمس والرادون أو بيولوجية مثل فيروسات أو هورمونات من مصدر داخلي (endogenous)].
- عوامل مصدرها الطب [مثلا علاجات كيميائية، إشعاع، أدوية تكبت جهاز المناعة، هورمونات من مصادر خارجية (exogenous) أو التعرض لأشعّة تشخيصيّة].
- تلوّث الهواء.
- التعرّض بالعمل (أي، الذي مصدره العمل، مثلا مواد كيميائية معينة).
ليس لكل المواد المسرطنة نفس الإمكانية للتسبب بالسرطان ولا تسبب بالضرورة للسرطان في كل مرة أو في كل حالة نتعرض لها. قسم منها يسبب السرطان فقط بعد التعرض لمستويات عالية أو في أعقاب التعرض المتواصل لمدة طويلة. كذلك، يتعلق خطر تطوير السرطان لدى شخص معين بعوامل كثيرة تشمل شكل التعرض، مدته، شدته والمبنى الوراثي لنفس الشخص.
من يعرّف مادة بأنها مسرطنة وكيف يصنفون مدى خطورة مادة مسرطنة؟
هناك عدة جهات أو منظمات هدفها تعيين وتصنيف المواد والعوامل المختلفة بالنسبة لإمكانية التسبب بالسرطان. إحدى هذه المنظمات هي الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (International Agency for Research on Cancer – IARC) التي أقامتها منظمة الصحة العالمية سنة 1965 كذراع علمي لأبحاث السرطان. هدف هذه الوكالة (التي تضم اليوم 22 دولة) هو النهوض بالبحث لفهم عوامل مرض السرطان ودفع الطرق للوقاية من المرض وتقليص نسبة الإصابة بالمرض به.
تنشر هذه الوكالة دراسات شاملة تلخص الأبحاث بالنسبة لتأثير العوامل البيئية التي قد تعزز من خطر تطوير سرطان لدى الإنسان. تستخدم هذه المعلومات التي تُنشر بهذه الدراسات سلطات الصحة في الدول في أنحاء العالم، وتساعدها في تحديد سياسة بشأن منع التعرض للعوامل المسرطنة.
تجري هذه الدراسات مجموعات عمل متعددة المجالات بمشاركة علماء مختصين من دول مختلفة. تختبر هذه المجموعات مجموع البيانات العلمية الحديثة التي تُنشر في الموضوع المذكور وتصنفها وفقا لإمكانية التسبب بتطوير سرطان لدى الإنسان إلى واحدة من 5 فئات:
المجموعة 1: مسرطن مؤكد للإنسان (Carcinogenic to humans)
المجموعة A2: شبه المؤكد أن العامل مسرطن للإنسان (Probably carcinogenic to humans)
المجموعة B2: ربما يكون العامل مسرطن للإنسان (Probably carcinogenic to humans)
المجموعة 3: لا يمكن تصنيف قدرة العامل على التسبب بالسرطان للإنسان (Not classifiable as to its carcinogenicity to humans)
المجموعة 4: شبه المؤكد أن العامل ليس مسرطنا للإنسان. (Probably not carcinogenic to humans)
القرار بخصوص العلاقة بين أشعة الراديو وخطر تطور السرطان
في شهر أيار 2011، اجتمعت في مدينة ليون في فرنسا مجموعة عمل تابعة للوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) بهدف إجراء تقييم بالنسبة لخطر تطوير الإنسان سرطان نتيجة التعرض لحقول كهرومغناطيسية في مجال أمواج الراديو (Radio Frequency). شملت المجموعة 31 عالما من 14 دولة. اعتمد التقييم على أبحاث سكانية وعلى أبحاث على الحيوانات. أُجريت معظم هذه البحاث منذ مطلع تسعينات القرن العشرين، عندها حدث ارتفاع في استخدام التكنولوجيات المُطلقة لأشعّة أمواج الراديو. اختُبرت أبحاث تناولت التعرّض بالعمل للرادار والميكروويف، التعرّض البيئيّ المتعلق ببث الراديو، التلفزيون والاتصالات اللاسلكية والتعرض الشخصي المتعلق باستخدام الهواتف الخلوية.
حددت مجموعة عمل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، أنه توجد أدلة محدودة لزيادة خطر تطوير أورام دماغيّة خبيثة (Glioma) وأورام حميدة في العصب السمعي لدى الأشخاص المستخدمين للهاتف الخلوي. كما حددت مجموعة العمل أن الأدلة غير كافية لاستخلاص استنتاجات بالنسبة لأنواع أخرى السرطان و/أو بالنسبة للتعرّض بالعمل والتعرض البيئي. لم تحدد مجموعة العمل كمية الخطر لكنها أشارت أنه في بحث واحد اختُبر فيه تأثير استخدام الهاتف الخلوي حتى سنة 2004، شوهد ارتفاع بنسبة 40% بخطر تطوير ورم دماغي خبيث (Glioma) عند الأشخاص الموجودين في فئة الاستخدام الأعلى التي عُرضت في هذا البحث (الأشخاص في هذه المجموعة تكلموا بالمتوسط 30 دقيقة في اليوم لفترة 10 سنوات). استنادا على هذا القرار، صنفت مجموعة العمل أشعة أمواج الراديو الصادرة من الهواتف الخلوية بفئة B2: أشعة الراديو هي عامل مسرطن محتمل للإنسان.
في أعقاب استنتاجات مجموعة العمل قال الدكتور كريستوفر وايلد، مدير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، أنه "يجب إجراء مزيد من الأبحاث تشمل مستخدمين للخلوي لمدة طويلة ويعتبرون "مستخدمين ثقيلين". حاليا، يجب اتخاذ وسائل عملية للتقليل من التعرض مثلا بواسطة استخدام "الديبوريت" أو رسائل قصيرة."
لماذا من الصعب جدا الإجابة عن السؤال هل أشعة الراديو عامل مسرطن؟
بالرغم من الأبحاث الكثيرة التي أُجريت في هذا الموضوع بكل مستويات البحث لا يمكن اليوم التوصل إلى استنتاج قاطع بالنسبة للعلاقة الممكنة بين التعرض للأشعة بترددات الراديو وتطور السرطان. الأسباب لذلك تنبع من مشاكل جوهرية في الأبحاث في هذا الموضوع والتي تشمل مشاكل في طرق البحث، وصعوبة في تقييم مدى التعرض للهواتف الخلوية. بالإضافة، ضمت أغلب الأبحاث فئات سكانية مسنة وأُجريت في الفترة التي كان استخدام الهاتف الخلوي جديدا نسبيا. مثلا، في بحث الإنترفون المقتبس بقرار الـ IARC، الذي جُمعت فيه بيانات حتى سنة 2004، فقط 11% من المستخدمين للهاتف الخلوي بلغوا 10 سنوات استخدام. كما أن مدى استخدام الهواتف الخلوية في هذا البحث كان منخفضا بالمقارنة مع الاستخدام اليوم. كان وسيط مدة استخدام الهاتف الخلوي حوالي 2-2.5 ساعة في الشهر فقط ومتوسط زمن الاستخدام المتراكم للمجموعة التي صُنفت في عُشْر الاستخدام العلوي حوالي 27 دقيقة في اليوم. من الجدير الإشارة أن تطور السرطان ولاسيما تطور الأورام الدماغيّة يلزمه فترة طويلة من زمن التعرض للعامل المسرطن وحتى تطور المرض. لذا، لتقدير العلاقة الممكنة بين هذا التعرض وتطور الأورام، هناك ضرورة لإجراء أبحاث تشمل فترة متابعة أطول
ما معنى التصنيف؟
معنى التصنيف هو أنه حتى التوصل إلى إثباتات قاطعة بالنسبة لوجود أو عدم وجود علاقة بين أشعّة أمواج الراديو وبين خطر تطور سرطان، يجب الاستخدام الذكي للهواتف النقالة والتكنولوجيات الأخرى التي تُطلق أشعّة غير مؤيّنة. بمراعاة الكمية الكبيرة من المتعرضين للتكنولوجيا الخلوية في كل شرائح السكان (بضمنهم الأطفال)، مثل السياسة المتبعة في دول كثيرة أخرى، فإن سياسة مركز تنوداع هي أنه يجب العمل بناء على مبدأ الحذر الوقائي. معنى ذلك أنه يجب اتخاذ وسائل الحذر للتقليل من التعرض، حتى لو لم تثبت علميا العلاقة السببية بين العامل والضرر.
للمستند الذي يلخص مجموعة العمل للوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)
ملخص الدراسة التي نُشرت في المجلة العلمية الهامة The Lancet Oncology